مساحة إعلانية

كل عام أنتم بخير

الأحد، 15 مارس 2020

العربية والعقل :

العربية والعقل :
تتميز لغتنا العربية بأنها لغة عقلانية تحتاج إلى قدر
كبير من وعي العقل وإعمال الفكر لمن يتحدث بها.
إذ يجب أن يكون واعيا وعيا تاما وفاهما فهما جيدا
لكل ما يقول قبل أن يقول.
ولعل من أهم الظواهر اللغوية التي تؤكد لنا ذلك
في العربية ما يأتي:
أولا: ظاهرة الإعراب :
حيث يتغير ضبط أواخر الكلم في العربية وفقا لتغير مواقعها الإعرابية، ولتغير العوامل النحوية الداخلة عليها.
فالاسم يتقلب بين الرفع والنصب والجر ، والفعل المضارع
يتقلب بين الرفع والنصب والجزم. ولكل حالة إعرابية منها أسبابها وعواملها الموجبة لها. ولكل حالة إعرابية علامات
إعرابية خاصة بها. وهناك علامات إعراب أصلية أربع ( الفتحة والكسرة والضمة والسكون)، وهناك علامات
إعراب فرعية، وهي ما سوى هذ العلامات الأصليةالأربع، يختص بها سبعة أنواع من أنواع الكلم في العربية، تسمى أبواب الإعراب الفرعي. وكل نوع منها له قواعده الخاصة
به التي تحتاج إلى درجة عالية من الوعي العقلي.
وعلى سبيل المثال فإن الممنوع من الصرف يجر بالفتحة
ولكنه إذا أضيف أو عرف بأل فإنه يجر بالكسرة،
ولذلك كانت كلمة ( أحسن) مجرورة بالفتحة في قوله
سبحانه: " إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها "
وكانت مجرورة بالكسرة في قوله تعالى :" لقد خلقنا
الإنسان في أحسن تقويم " لأنها وقعت هنا مضافة لما بعدها
وهناك نواسخ تدخل على الجملة الاسمية فتغير حكمها في
الإعراب، وهي نوعان فمنها ما يعمل رفعا ثم نصبا مثل
كان وأخواتها، ومنها ما يعمل نصبا ثم رفعا مثل إن وأخواتها. وكل نوع منهما يندرج تحته عدة أبواب نحوية،
ولكل باب منها قواعده وأحكامه الدقيقة.
وعلى المتكلم أن يكون على وعي كامل بالفرق
بين هذه الأبواب حتى لا يقع في خطأ الخلط بينها في
الإعراب .
وعلى سبيل المثال فاسم إن وأخواتها يكون منصوبا ،
ولكن اسم لا النافية للجنس يكون مبنيا على ما ينصب
به. فكلمة( الرجل) في قولنا:
" إن الرجل في المسجد " اسم إن منصوب.
ويجوز أن نقول " إن رجلا.... " بالتنوين.
ولكنها في قولنا :
" لا رجل في المسجد " اسم لا النافية للجنس مبني على
الفتح في محل نصب. ولا يجوز أن نقول فيها " لا رجلا... "
كما نلاحظ هذا الوعي العقلي في قضية الترتيب. إذ
يجب على المتحدث بالفصحى أن يحافظ على قواعد الإعراب مع التقديم والتأخير سواء في الجملة الفعلية، أو في الجملة الاسمية ، ومع دخول النواسخ.
مثلما نلاحظ في الآيات الكريمة الآتية :
- ( إنما يخشى الله من عباده العلماء)
فلفظ الجلالة هنا مفعول به مقدم منصوب
والعلماء فاعل مؤخر مرفوع.
- ( وإذ ابتلى ابراهيم ربه) .
فإبراهيم هنا مفعول به مقدم منصوب،
وربه فاعل مؤخر مرفوع.
- ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين)
فحقا هنا خبر كان مقدم منصوب
ونصر : اسم كان مؤخر مرفوع.
- ( إن للمتقين مفازا)
فشبه الجملة هنا متعلق بمحذوف خبر إن مقدم في محل رفع. و مفازا اسم إن مؤخر منصوب.
فتغيير موقع الكلمة داخل الجملة مع المحافظة على إعرابها يحتاج إلى وعي عقلي.
كما نلاحظ هذا الوعي العقلي أيضا عند الإعراب على اعتبار المحل الإعرابي لتابع الكلمة المعربة.
مثلما نلاحظ في كلمة ( غيره) في قوله سبحانه :
" قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ".
فكلمة (غيره) هنا: صفة مرفوعة لكلمة إله على اعتبار المحل ، حيث إنها ( إله) في الأصل مبتدأ مؤخر مرفوع محلا مجرور لفظا بمن. ويجوز أن تجر الصفة على اعتبار اللفظ ، لأن الموصوف ( إله) مجرور لفظا.
وكذا في قوله تعالى :" لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ".
فالفعل ( أكن) هنا معطوف على محل الفاء والفعل،
لأن محلهما جزم لوقوعهما في جواب الطلب.
ثانيا: ظاهرة العدد:
حيث تقوم على قاعدة مهمة تحتاج إلى قدر كبير من الوعي العقلي، تتمثل في أن العدد من ثلاثة إلى عشرة
المفردة يخالف المعدود في التذكير والتأنيث.
مثلما نلاحظ في الآيات الكريمة الآتية :
- ( سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام).
لأن الليلة مؤنثة فقد ذكر العدد ( سبع)، ولأن اليوم مذكر
فقد أنث العدد ( ثمانية) .
- ( لها سبعة أبواب) لأن الباب مذكر فقد أنث العدد.
- ( فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم
تلك عشرة كاملة) أي: سبعة أيام وعشرة أيام كاملة.
-( فإطعام عشرة مساكين) لأن المسكين مذكر.
-( والفجر وليال عشر) لأن الليلة مؤنثة.
ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن العبرة بالمفرد لا بالجمع.
فنقول مثلا : في المدينة ثلاثة مستشفيات)
ولا يجوز أن نقول ( ثلاث مستشفيات)، لأن المستشفى
مذكر وليس مؤنثا كما يشيع خطأ،متوهمين أن الألف
في آخرها هي ألف التأنيث المقصورة، مع أنها في الحقيقة
لام الكلمة، فهي على وزن ( مستفعل).
وإذا ما وصلنا إلى العدد المركب ( من ١٣ - ١٩) وجدناه أكثر إمعانا في إعمال العقل، إذ القاعدة في استعماله أن الجزء الأول يخالف المعدود والجزء الثاني يوافقه ويطابقه في التذكير والتأنيث.
فنقول مثلا :
في القاعة خمسة عشر طالبا وخمس عشرة طالبة.
ثالثا ظاهرة جموع التكسير :
ففيها كثير من القواعد التي تحتاج إلى إعمال العقل.
منها على سبيل المثال:
1- جمع الوصف ( فعيل)
- فهو إذا كان وصفا لمذكر عاقل بمعنى (فاعل) جمع على صيغة ( فعلاء) مثل: رحيم ورحماء وشفيع وشفعاء....
- وإذا كان وصفا بمعنى ( مفعول) جمع على صيغة
( فعلى) مثل: أسير وأسرى وجريح وجرحى....
- وإذا كان وصفا مضاعفا أو معتل اللام جمع على صيغة (أفعلاء) مثل : حبيب وأحباء و نبي وأنبياء.
- وإذا كان اسما جمع على صيغة ( فعل)
مثل: سبيل وسبل وسعير وسعر.
- وإذا كان اسما مضاعفا جمع على ( أفعلة) مثل :
جنين وأجنة وسرير وأسرة...
2- وجمع ( فعيلة) فهي
- إذا كانت وصفا جمعت على ( فعال) مثل :
غليظة وغلاظ. وسمينة وسمان....
- وإذا كانت اسما جمعت على ( فعائل) مثل :
حديقة وحدائق وقبيلة وقبائل.......
وعليه فإن ( كبيرة) وصفا تجمع على ( كبار)
فنقول: هذه امرأة من كبار السن.
و( كبيرة) اسما تجمع على ( كبائر)
فالقتل كبيرة من الكبائر وليس من الكبار.
3- وزن ( فاعل)
فإذا دل على العاقل جمع على (فعال) أو ( فعلة)
وإذا دل على غير العاقل جمع على ( فواعل).
فكلمة ( عامل) مثلا إذا دلت على العاقل جمعت على ( عمال) و إذا دلت على غير العاقل جمعت على ( عوامل).
وكذلك كلمة ( ماش) إذا دلت على العاقل جمعت على
( مشاة ) وإذا دلت على غير العاقل جمعت على ( مواش).
وكلمة ( شاهد) إذا دلت على العاقل جمعت على
شاهدين، وشهود و أشهاد، وإذا دلت على غير العاقل جمعت على ( شواهد) وغير ذلك كثير لا يحصى.
وهكذا يتبين لنا بما لا يدع مجالا للشك أن قواعد
العربية يحتاج تطبيقها في أثناء الكلام إلى عقل واع، وفكر يقظ، وذهن نشط.
وأن المتحدث بها يجب أن يكون واعيا وعيا تاما لكل ما
يقول قبل أن يقول.
ولذلك فنحن لانعجب إذا أطلق العرب قديما على غيرهم
من الأمم وصف ( عجم ) الذي ننطقه الآن في العامية المعاصرة ( بجم) أي الذي لا يفهم، أو لا يجيد التعبير
عن نفسه.
وصدق الحق إذ يقول :
" إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ".
وبناء على هذا فإننا لا نبالغ إذا قلنا إن العربية هي لغة العقل.
وبالله التوفيق.
د. مفرح سعفان،،،،،

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ: الروائع الأميرية 2016 © تصميم : كن مدون