مساحة إعلانية

كل عام أنتم بخير

الأحد، 15 مارس 2020

من جماليات القرآن ظاهرة زيادة المضاف.

من جماليات القرآن
ظاهرة زيادة المضاف.
في لغتنا العربية المعاصرة نقول مثلا :
جاء سعادة المدير وصافحته.
ولا نقول:
جاءت سعادة المدير وصافحتها.
وذلك لأننا نعلم أن المعنى الأصلي للجملة هو :
جاء المدير وصافحته.
فالمضاف إليه في تركيب ( سعادة المدير) هو المقصود من الكلام، والمضاف هنا - وهو كلمة سعادة - ليس إلا لفظا زائدا عن المعنى الأصلي
للجملة، وقد جيء به لغرض توقير المضاف
إليه وتبجيله.
وما حدث في هذه الجملة من زيادة مضاف لتعظيم المضاف إليه أو لبيان صفة من صفاته،
يحدث كذلك في العربية الفصحى، وفي لغة القرآن الكريم.
فمن ذلك - على سبيل المثال - في القرآن الكريم
ما يأتي :
- تركيب ( وجه ربك) في قوله تعالى :
" كل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ".
إذ ليس المقصود منه بقاء الوجه فقط، بل إن المعنى المقصود ( ويبقى ربك) ، وزيد الوجه
لتعظيمه سبحانه.
- تركيب ( جد ربنا) في قوله تعالى :
" وأنه تعالى جد ربنا مااتخذ صاحبة ولا ولدا "
فالمقصود: ( تعالى ربنا)، وزيد ( الجد) لتعظيمه
جل وعلا.
- تركيب ( وجه أبيكم) في قوله تعالى - على لسان إخوة يوسف :
" اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه
أبيكم ".
فليس المقصود أن يخلو وجه أبيهم دون سائر جسده، بل المقصود ( يخل لكم أبوكم) وزيد الوجه للدلالة على كامل تفرغه لهم على حد زعمهم.
- تركيب ( ملة قوم) في قوله تعالى - على لسان
يوسف عليه السلام - :
"إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله".
إذ المقصود ( إني تركت قوما لا يؤمنون بالله مع ملتهم) ، لأنه - عليه السلام - لم يكن يوما قط
على ملة الكفر ليتركها.
ومن الجميل هنا أنه - في بعض الأحيان -
قد يؤثر هذا المعنى الأصلي للتركيب الإضافي في المعاملة اللغوية ( النحوية والصرفية) له، محدثا
شكلا من أشكال الابداع بخرق المألوف في النحو.
ومن ذلك مثلا قوله تعالى :
" إن رحمة الله قريب من المحسنين ".
فغالبا ما يتساءل الناس هنا
لماذا وصف السياق هنا ( رحمة الله) المؤنثة
بالوصف المذكر ( قريب) ولم يقل ( قريبة) ؟
فالسبب في ذلك عندي يرجع إلى أن السياق هنا
قد نظر إلى المعنى الأصلي للتركيب الإضافي
( رحمة الله) .
فالله سبحانه هو المقصود في الأصل، وهو سبحانه القريب، بدليل قوله تعالى :
" وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ".
وأضيفت الرحمة إليه سبحانه لبيان أهم أثر يترتب على قربه سبحانه من عباده المحسنين، وهو أن تشملهم رحمته،
وكيف لا وهو سبحانه الرحمن الرحيم،
وهو سبحانه ذو الرحمة الواسعة،
وهو سبحانه أرحم الراحمين.
وعليه فإن معنى هذه الآية الكريمة فيما أرى
- والله أعلم - ( إن الله ذا الرحمة قريب من المحسنين).
ولذلك فإنني لا أتفق مع النحاة القدماء فيما ذهبوا إليه لتعليل استعمال الوصف ( قريب) المذكر في
هذه الآية الكريمة بأنه لإضافة الرحمة إلى لفظ الجلالة المذكر، فقد اكتسبت منه التذكير.
على أساس أن الإضافة - عندهم - تكسب المضاف التذكير والتأنيث من المضاف إليه.
والواقع أن هذه العلة غير مطردة، ولا يجوز تعميمها على وجه الإطلاق.
لأنه لو صح ذلك على وجه الإطلاق لجاز لنا أن نقول مثلا :
(حقيبة الطالب جديد).
بدلا من ( حقيبة الطالب جديدة).
وأن نقول مثلا :
( كتاب الطالبة جديدة).
بدلا من
( كتاب الطالبة جديد).
فهذا بالطبع لا يجوز.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا.
د. مفرح سعفان،،،

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ: الروائع الأميرية 2016 © تصميم : كن مدون