مساحة إعلانية

كل عام أنتم بخير

الأحد، 15 مارس 2020

من بدائع القرآن التفنن في وصف القول (التراكيب الوصفية للقول في القرآن الكريم )

من بدائع القرآن
التفنن في وصف القول
(التراكيب الوصفية للقول
في القرآن الكريم )
تتنوع التراكيب الوصفية التي تعبر عن القول وصفته في القرآن الكريم تنوعا فريدا. ويمكننا إجمالها في الأنماط الآتية :
النمط الأول :
أن يذكر القول وتذكر صفته تابعة له، وهذا هو النمط الأصلي للتركيب الوصفي المعروف في
علم النحو. وذلك مثلما نلاحظ في هذه الآيات الكريمة :
- قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى.
- وقولوا قولا سديدا.
- وقل لهما قولا كريما.
والصفة هنا هي كالحلية للموصوف ، فهي مجرد وصف مبين وموضح له .
والنمط الثاني :
أن يضاف القول إلى صفته.
ومن ذلك تركيب ( قول الحق) في قوله سبحانه: " ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون" .
فالأصل ( أقول القول الحق).
ومع أن النحاة العرب القدماء - رحمهم الله - قد رفضوا إضافة الموصوف إلى صفته، ورأوا وجوب
تأويله فإنني أرى أن تحول التركيب الوصفي إلى تركيب إضافي في هذا النمط له بعده الدلالي، الذي يتمثل في تأكيد ملازمة الموصوف للصفة فلا يجوز أن ينفصل عنها أبدا مثلما لا يجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه.
وعليه فإن ( قول الحق) معناه: القول الذي لا ينفصل أبدا عن صفة الحق.
مثل تركيب ( وعد الحق) في قوله سبحانه :
"إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم "
أي: إن الله وعدكم الوعد الذي لا ينفصل أبدا عن
صفة الحق.
والنمط الثالث:
أن تتقدم صفة القول عليه ثم تضاف إليه.
ومن ذلك قوله سبحانه:
" يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ".
فالأصل :
يوحي بعضهم إلى بعض القول المزخرف.
ثم تقدمت صفة القول عليه واقعة موقعه الإعرابي.
- وهو موقع المفعول به للفعل يوحي -
لتتحول الصفة بذلك من كونها مجرد عنصر تابع للموصوف ، إلى عنصر مستقل ، مستحوذة على القيم النحوية والدلالية التي كان يحظى بها الموصوف من قبل، لتكون هي محور اهتمام السياق، وهي العنصر اللافت للنظر.
ومن ناحية أخرى تضيف إضافة الصفة إلى
الموصوف هنا فائدة أخرى تتمثل في تأكيد ملازمتها له ، فلا يجوز أن تنفصل عنه أبدا مثلما لا يجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه.
النمط الرابع :
أن يتوسط حرف الجر ( من) بين صفة القول
والقول. ومن ذلك :
- " وهدوا إلى الطيب من القول ".
فأصله : ( وهدوا إلى القول الطيب)
- " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ".
فأصله: ( الجهر بالقول السيئ)
- " وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ".
فأصله : (ليقولون قولا منكرا ).
وقد حدث هنا ماحدث في النمط السابق من تقديم
للصفة على الموصوف وإحلالها محله، لتستحوذ هي على جميع القيم النحوية والدلالية التي كان يتمتع بها الموصوف من قبل ، وذلك لتعظيم شأن الصفة والتنبيه على خطورتها في تلك الأحوال التي يشير السياق إليها.
النمط الخامس :
أن يحذف القول تماما و تحل صفته محله
قائمة مقامه.
ومن ذلك قوله تعالى:
" وقولوا للناس حسنا "
فالأصل ( وقولوا للناس قولا حسنا)
مثل قوله سبحانه: " واذكروا الله كثيرا "
فأصله :(واذكروا الله ذكرا كثيرا)
ثم حذف القول ( الموصوف) وأحل صفة الحسن
محله.
لتتحول صفة الحسن هنا من مجرد عنصر تابع للقول الموصوف، إلى عنصر مستقل ، إذ تقع هي في موقع المفعول به للفعل ( قولوا) ، ليكون قولنا للناس ليس فقط قولا متصفا بالحسن، بل يكون هو الحسن ذاته .
والأجمل في الأنماط السابقة كلها أنك تجد كل نمط منها يرتبط بسياق معين، فتجد لكل نمط سياقه ، ولكل سياق نمطه،
فلا يجوز في الغالب أن نبدل نمطا بنمط آخر في سياق واحد .
وهذا جمال مابعده جمال.
وهو جمال يؤكد لنا عبقرية الأداء القرآني الكريم
في التعبير عن وصف شيء واحد ، وهو القول.
وصدق الحق إذ يقول :
" أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله
لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ".
د. / مفرح سعفان،،،،

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ: الروائع الأميرية 2016 © تصميم : كن مدون