مساحة إعلانية

كل عام أنتم بخير

الأحد، 15 مارس 2020

النحو وفهم النص :

النحو وفهم النص :
يقول سبحانه: " ولذكر الله أكبر ".
الشائع لدى الناس أن معنى هذه الآية الكريمة هو
أن ذكر المؤمن لله أكبر وأفضل من ذكره لأي
شيء آخر غيره سبحانه وتعالى.
والواقع أن هذا المعنى الشائع جزء من تفسير الآية وليس تفسيرا كاملا لها.
ذلك أن دراسة النحو العربي تعلمنا أن المصدر المضاف
في اللغة العربية نوعان :
الأول: مصدر مضاف إلى فاعله.
وذلك كما في قوله سبحانه :" ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض.... ".
فالمصدر ( دفع) هنا مضاف إلى فاعله.
ولفظ الجلالة ( الله) هنا : مضاف إليه مجرور لفظا
مرفوع محلا فاعل للمصدر ( دفع).
والناس: مفعول به منصوب لهذا المصدر.
وكذلك قوله سبحانه: " فاذكروا الله كذكركم آباءكم ".
فالمصدر ( ذكر) هنا مضاف إلى فاعله ( كم) ،
وآباءكم: مفعول به منصوب لهذا المصدر.
والثاني: مصدر مضاف إلى مفعوله.
وذلك كما في قوله سبحانه: " لا يسأم الإنسان من
دعاء الخير ". فالمصدر ( دعاء) هنا مضاف إلى
مفعوله، والفاعل محذوف لدلالة السياق عليه، وهو الإنسان ، و التقدير : لا يسأم الإنسان من دعائه هو الخير.
أي: من طلبه الخير .
وعليه فالخير في هذه الآية: مضاف إليه مجرور لفظا
منصوب محلا مفعول به للمصدر ( دعاء).
وكذلك قوله سبحانه :" قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك
إلى نعاجه ". فالمصدر (سؤال) هنا مضاف إلى مفعوله،
والفاعل محذوف، والتقدير: "بسؤاله هو نعجتك " أي :
بطلبه إياها.
فإذا ما رجعنا إلى الآية الكريمة التي معنا "ولذكر الله أكبر"
وجدنا أن إضافة المصدر ( ذكر) هنا تحتمل الوجهين السابقين معا في آن واحد.
فقد تكون من قبيل إضافة المصدر إلى المفعول ، فيكون
المعنى :
ولذكرك أنت لله أكبر وأفضل من ذكرك لأي شيء آخر.
وهذا هو المعنى الشائع.
وقد تكون من قبيل إضافة المصدر إلى الفاعل، فيكون
المعنى:
ولذكر الله لك أكبر وأفضل من أي شيء آخر.
وذلك مصداقا لقوله سبحانه: " فاذكروني أذكركم ".
وهذان الوجهان أيضا تحتملهما إضافة المصدر ( ذكر)
في قوله سبحانه: " وأقم الصلاة لذكري " .
إذ تحتمل أن تكون من قبيل إضافة المصدر إلى مفعوله،
فيكون المعنى : وأقم الصلاة لكي تذكرني أنت.
كما تحتمل أن تكون من قبيل إضافة المصدر إلى فاعله،
فيكون المعنى : وأقم الصلاة لكي أذكرك أنا.
وبدمج هذين الاحتمالين معا في تفسير الآية الكريمة،
يكون المعنى : وأقم الصلاة لكي تذكرني فأذكرك.
وعليه فإن استعمال السياق القرآني للمصدر المضاف في
(لذكري) يكون قد أغنى عن ذكر جملتين فعليتين كاملتين.
وهذه وسيلة من أبلغ وسائل القرآن الكريم في الحذف
والإيجاز ، ليعبر بأقل الكلمات عن كثير من المعاني.
وبناء على هذا يتبين لنا أن النحو لا يفيدنا فقط في
تعليل أواخر الكلم من رفع ونصب وجر وجزم،
كما يتوهم كثيرون، بل يفيدنا أيضا في فهم النص،
و استيعاب جميع الأوجه الممكنة في تفسيره.
د. مفرح سعفان

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ: الروائع الأميرية 2016 © تصميم : كن مدون