مساحة إعلانية

كل عام أنتم بخير

الاثنين، 16 مارس 2020

أنـا خائف ....... بقلم ا.د/ محمد داود



أنـا خائف ....... بقلم ا.د/ محمد داود
نظر إبراهيم بن أدهم إلى أحد تلاميذه، وقد اشتد به الجوع، فقال له: علىَّ بِدَوَاةٍ وقرطاس، فجاءه التلميذ بهما، فكتب إبراهيم بن أدهم: بسم الله الرحمن الرحيم، أنت المقصود بكل حال، والمشار إليه بكل معنى:
أنا حامدٌ، أنا شاكرٌ، أنا ذاكر أنا جـائعٌ، أنا خائف، أنا عـــارِ
هى ستةٌ، وأنا الضمين لنصفهـا فكن الضمين لنصفها يا بـارى
ثم دفع إلى تلميذه الرقعة، وقال له: أخرج، ولا تعلِّقْ سرك بغير الله، ولم يمض وقتٌ طويل حتى أتى الله بالفرج.
*****
رحم الله سلفنا الصالح الذين اهتموا بتربية القلوب وتهذيب النفوس وتزكية العقول، فأصلح الله بهم، ونفع الله بعلمهم. والتلميذ فى حِجر التربية يحتاج إلى مُرَبٍّ له بصيرة، مُرَبٍّ يعلم مراتب النفوس وما يصلحها.
وما أطيب أن يكون المعلم مربيًّا يعطى مع العلم خُلُقًا وتربية، يصنع عقلًا يفكر ويربى وقلبًا يؤمن، وهكذا كان علماؤنا من السلف الصالح أثابهم الله عن الأمة خيرًا.
• وفى الموقف السابق ـ الذى بين أيدينا ـ اشتد الجوع بأحد تلاميذ إبراهيم بن أدهم، ولاحظ الشيخ أثر الجوع على تلميذه، فأحب أن يعلمه درسًا فى تجاوز الأسباب ـ بعد فعلها ـ إلى مسبب الأسباب، أراد أن يعلمه أن فعل السبب طاعة، لكن المؤمن يفعل السبب، ويلتمس التوفيق من مسبب الأسباب، وسبحانه القائل: ( وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) )(هود).
فأرشد إبراهيم بن أدهم تلميذه إلى باب الاستعانة بالله تعالى، فما نجاح الإنسان إلا بمعونة الله، والله تعالى يقول فى قرآنه: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) ) (الفاتحة).
وفى الحديث النبوى الشريف: قال النبى صلى الله عليه وسلم : «ليسأل أحدكم ربه حاجتكلها، حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع» .
ولكن المعلم والمربى إبراهيم بن أدهم علَّم تلميذه بأسلوب عملى؛ فقد أمره أن يحضر قلمًا وقرطاسًا (وهى أدوات الكتابة فى ذلك العصر)، ثم كتب لتلميذه:
بسم الله الرحمن الرحيم، أنت المقصود بكل حال، والمشار إليه بكل معنى:
أنا حامدٌ، أنا شاكرٌ، أنا ذاكر أنا جـائعٌ، أنا خائف، أنا عـــارِ
هى ستةٌ، وأنا الضمين لنصفهـا فكن الضمين لنصفها يا بـارى
ثم دفع الرقعة لتلميذه قائلًا له: لا تعلق سرك بغير الله.
وانتفع التلميذ بموعظة شيخه، وتوجه إلى ربه متضرعًا خاشعًا يدعو ربه بالفرج، وما هو إلا وقتٌ يسير حتى أتى الله بالفرج.
وسبحان من يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء. والله سبحانه يرغبنا فى الدعاء بقوله: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)) (البقرة).
وهكذا يعلمنا هذا الموقف الإيمانى فضيلتين:
• الأولى: حُسن التوكل على الله تعالى.
• الثانيـة: طلب المعونة والتوفيق من الله تعالى بالدعاء.
ثم يضيف لنا الموقف قيمة غالية وعالية ومهمة، وهى أنه ليس المهم أن نعلم فقط، لكن المهم أن نعمل بما نعلم؛ لأنَّ الثمرة تتحقق حين نعمل بما نتعلم. فبركة العلم لمن يعمل به، وإلا صار العلم حجةً على صاحبه.
رحم الله السلف الصالح، ونفعنا الله بعلمهم.. والحمد لله رب العالمين
مواقف وعبر
ا.د. محمد محمد داود
لتحميل نسخة pdf من كتاب مواقف وعبر من خلال هذا الرابط
http://www.mohameddawood.com/view.aspx…

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ: الروائع الأميرية 2016 © تصميم : كن مدون