مساحة إعلانية

كل عام أنتم بخير

الاثنين، 16 مارس 2020

رحمة للعالمين ....... بقلم ا.د/ محمد داود



رحمة للعالمين ....... بقلم ا.د/ محمد داود
جاء أعربى إلى النبى صلى الله عليه وسلم يطلب منه شيئًا فأعطاه، ثم قال: أحسنت إليك؟ قال الأعرابى: لا، ولا أجملت، فغضب المسلمون وقاموا إليه، فأشار إليهم النبى صلى الله عليه وسلم أن كُفُّوا، ثم قام ودخل منزله، وأرسل صلى الله عليه وسلم إليه شيئًا، ثم قال: أحسنت إليك؟ قال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا.
فقال له النبى: إنك قلت ما قلت وفى نفس أصحابى من ذلك شىء، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدى؛ حتى يذهب ما فى صدورهم عليك، قال: نعم.
فلما كان الغد أو العشى جاء؛ فقال صلى الله عليه وسلم: إن هذا الإعرابى قال ما قال، فزدناه فزعم أنه رضى، أكذلك؟
قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا.
فقال النبى صلى الله عليه وسلم، مثلى ومثل هذا مثل رجل له ناقة شردت عليه، فأتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورًا، فناداهم صاحبها: خَلُّوا بينى وبين ناقتى فإنى أرفق بها منكم وأعلم، فتوجَّه لها بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فردّها حتى جاءت واستناخت وشدّ عليها رحلها واستوى عليها، وإنى لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار .
*****
قال تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107))(الأنبياء)، فهو صلى الله عليه وسلم رسول الرحمة الذى أرسله الله تعالى رحمة لجميع العالمين، رحمة للمؤمنين ورحمة للكافرين ورحمة للمنافقين، ورحمة لجميع بنى الإنسان الرجال والنساء والصبيان، ورحمة للطير والحيوان، فهو رحمة عامة لجميع خلق الله تعالى، وأما الشفقة والرأفة والرحمة بالمؤمنين؛ فقد قال تعالى فيه: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (128)) (التوبة). قال بعضهم: من فضله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أعطاه اسمين من أسمائه فقال:(بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ).
و عن عائشة رضى الله عنها قالت: جاء أعرابى إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: تُقَبِّلون الصبيان؟ فما نقبلهم! فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟!».
• وهذا أعرابى جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم يطلب منه شيئًا فأعطاه، ثم قال: أحسنت إليك؟ قال الأعرابى: لا، ولا أجملت، فغضب المسلمون وقاموا إليه، فأشار إليهم النبى صلى الله عليه وسلم أن كُفُّوا، ثم قام ودخل منزله، وأرسل صلى الله عليه وسلم إليه شيئًا، ثم قال: أحسنت إليك؟ قال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا.
فقال له النبى: إنك قلت ما قلت وفى نفس أصحابى من ذلك شىء، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدى؛ حتى يذهب ما فى صدورهم عليك، قال: نعم.
فلما كان الغد أو العشى جاء؛ فقال صلى الله عليه وسلم: إن هذا الإعرابى قال ما قال، فزدناه فزعم أنه رضى، أكذلك؟
قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا.
فقال النبى صلى الله عليه وسلم، مثلى ومثل هذا مثل رجل له ناقة شردت عليه، فأتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورًا، فناداهم صاحبها: خَلُّوا بينى وبين ناقتى فإنى أرفق بها منكم وأعلم، فتوجَّه لها بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فردّها حتى جاءت واستناخت وشدّ عليها رحلها واستوى عليها، وإنى لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار .
وروى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يُبْلغَنِّى أحد منكم عن أحد من أصحابى شيئًا فإنى أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر» .
• ومن شفقة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته تخفيفه وتسهيله عليهم كراهته أشياء مخافة أن تفرض عليهم؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء» .
وخبر صلاة الليل ونهيه عن الوصال، وكراهته دخول الكعبة لئلا تعنت أمته، ورغبته لربه أن يجعل سبه ولعنه لهم رحمة بهم، وأنه كان يسمع بكاء الصبى فيتجوزَّ فى صلاته.
ومن شفقته صلى الله عليه وسلم أن دعا ربه وعاهده، فقال: «أيما رجل سببته أو لعنته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة وصلاة وطهورًا وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة» .
•ولما كذبه قومه أتاه جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقال له: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد أمر مَلَكَ الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداه مَلَكُ الجبال وسلّم عليه وقال: مرنى بما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيئًا» .
وروى ابن المنكدر أن جبريل عليه السلام قال للنبى صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى أمر السماء والأرض والجبال أن تطيعك، فقال: أؤخر عن أمتى لعل الله أن يتوب عليهم. فقالت عائشة رضى الله عنها: ما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها .
وقال ابن مسعود رضى الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة؛ مخافة السآمة علينا.
وعن عائشة أنها ركبت بعيرًا فكانت فيه صعوبة فجعلت تردده، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليك بالرفق» .
•ومن رحمته صلى الله عليه وسلم العامة رحمته بالمنافقين؛ وذلك بأن أمنهم من القتل والسبى؛ نظرًا لظاهر إسلامهم فى الدنيا.
•ومن رحمته صلى الله عليه وسلم العامة بالكفار أنْ دفع عذاب الاستئصال عنهم فى الدنيا؛ وذلك أن الأمم السابقة كانت إذا أرسل الله تعالى فيهم رسولًا فكذَّبوا وكفروا به جاءهم العذاب فعمّهم؛ كما قص الله تعالى من أخبار قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم كيف أحاط بهم العذاب وحاق بهم ما كانوا يستهزئون.
وأما كفّار هذه الأمة المحمدية فقد رفع الله عنه العذاب العام الذى يستأصلهم كما استأصل وعمّ الكفار من الأمم السابقة؛ وذلك تكرمة لهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذى أرسله الله تعالى رحمة للعالمين.
•وأما عن رحمته صلى الله عليه وسلم بالأهل والعيال فقد روى مسلم فى صحيحه عن عمرو بن سعيد عن أنس رضى الله عنه قال: ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كان إبراهيم مسترضعًا له فى عوالى المدينة، فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخن ـ أى يعلو منه الدخان ـ وكانت ظئره قينا، فيأخذه ـ أى: فيأخذ النبى صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم المسترضع ـ فيقبله، ثم يرجع.
قال عمرو: فلما توفى إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبراهيم ابنى وإنه مات فى الثدى ـ أى فى سن رضاع الثدى، وإن له لظئرين ـ أى مرضعتين ـ تكملان رضاعه فى الجنة» .
أى تتمان له رضاع سنتين، فإنه توفى وله ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا.
• ومن رحمته بأهله صلى الله عليه وسلم أنه كان يعاونهم فى الأمور المنزلية؛ فقد جاء أن الأسود قال: سُئلت عائشة رضى الله عنها: ما كان النبى صلى الله عليه وسلم يصنع فى بيته؟ فقالت: كان فى مهنة أهله (تعنى خدمة أهله)، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة .
فما كان صلى الله عليه وسلم من جبابرة الرجال، بل كثيرًا ما كان يخدم نفسه بنفسه صلى الله عليه وسلم فعن عائشة رضى الله عنها قالت: كان النبى صلى الله عليه وسلم يخيط ثوبه، ويَخْصِفُ نعله، ويعمل ما يعمل الرجال فى بيوتهم .
• وأما عن رحمته بالصبيان واليتيم والأرملة والمريض وغيرهم فقد روى الشيخان وغيرهما عن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إنى لأدخل فى الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبى، فأتجوز فى صلاتى مما أعلم من شدة وَجْدِ أمه من بكائه» .
ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالصبيان: أنه كان يمسح رؤوسهم ويقبلهم؛ كما جاء فى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها قالت: قَبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسـين ابْنَىْ على وعنده الأقرع بن حابس التميمى.
فقال الأقرع: إن لى عشرة من الولد ما قبَّلت أحدًا قط! فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «مَن لا يَرْحَمُ لا يُرْحَم» .
عن البراء رضى الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسنُ على عاتقه يقول صلى الله عليه وسلم : «اللهم إنى أحبه فأحبه» .
ومن رحمته بالصبيان وحبه لإدخال السرور عليهم: أنه كان إذا أتى بأول ما يدرك من الفاكهة يعطيه لمن يكون فى المجلس من الصبيان؛ كما روى الطبرانى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى كان إذا أتى بباكورة الثمرة ـ أى أولها ـ وضعها على عينيه ثم على شفتيه، وقال: «اللهم كما أريتنا أوله فأرنا آخره»، ثم يعطيه مَنْ يكون عنده من الصبيان .
• ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بكاؤه لفراق ولده إبراهيم رضى الله عنه، فعن أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم رضى الله عنه وهو يجود بنفسه ـ أى فى حالة الاحتضار ـ فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم: «يا ابن عوف إنها الرحمة»، ثم أتبعها بأخرى فقال: «العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» .
وعن أسامة بن زيد رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه ابن ابنته وهو فى الموت، ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟! قال: هذه رحمة جعلها الله تعالى فى قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء .
• ومن رحمته أنه كان صلى الله عليه وسلم لا يأنف أن يمشى مع الأرامل والمساكين فيقضى حاجاتهم. وكان يأتى ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم، وكان يحسن إلى اليتامى ويبرّهم ويوصى بكفالتهم والإحسان إليهم ويبين الفضائل المترتبة على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم فى الجنة هكذا ـ وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما» ـ وإن خير بيت فى المسلمين البيت الذى فيه يتيم يُحْسَنُ إليه .
• ومن رحمته صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا رأى أحد أصحابه فى حالة شدة وبأس يحزن لأجل ذلك حزنًا شديدًا، ويرق قلبه، ويبكى متأثرًا من ذلك الموقف، فقد قَبَّل عثمان بن مظعون وهو ميت، وهو صلى الله عليه وسلم يبكى حتى قالت عائشة: فرأيت دموع النبى صلى الله عليه وسلم تسيل على خد عثمان. وفى رواية أنه قبل بين عينيه، ثم بكى طويلًا .
• وأما عن رحمته بالحيوان فقد كان صلى الله عليه وسلم يوصى بالرحمة بالحيوان، وينهَى صاحبَه أن يجيعه أو يدئبه ويتعبه بإدامة الحمل عليه أو إثقاله بما فيه نوع من التعذيب له.
وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه ـ أى ضمر من شدة الجوع ـ فقال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله فى هذه البهائم المعجمة اركبوها صالحة وكلوها صالحة» .
ودخل يومًا بستانًا لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل، فلما رأى النبى صلى الله عليه وسلم حن ـ أى: الجمل ـ وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه ـ موضع الأذنين من مؤخر الرأس ـ فسَكَن الجمل، فقال صلى الله عليه وسلم: «من رب ـ أى صاحب ـ هذا الجمل؟» فجاء فتى من الأنصار، فقال له صلى الله عليه وسلم: «أفلا تتقى الله فى هذه البهيمة التى ملكك الله إياها؟! فإنه شكا إلىَّ أنَّك تجيعه وتدئبه» .
أى تتعبه من كثرة العمل عليه،واستعماله فوق طاقته.
وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن إرهاق الحيوان بإيقافه وإطالة الجلوس عليه من غير ضرورة إلى ذلك، وقد دخل على قوم وهم وقوف على دَوَابٍّ لهم ورواحل، فقال: «اركبوها سالمة، ودعوها سالمة، ولا تتخذوها كراسى لأحاديثكم فى الطرق والأسواق» .
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع، وقال: «نقيقها تسبيح» .
وقال صلى الله عليه وسلم: «دخلت امرأة النار فى هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض» .
ونهى عن التحريش بين البهائم ، وذلك بتسليط بعضها على بعض بالأذى وتهييجها بالإفساد.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر من أن يفجع الإنسان الطيور بأولادها، ولما أخذ بعضهم فرخى حمرة ـ وهى طائر صغير ـ وجاءت منزعجة، قال: «من فجع هذه بولدها؟» ردوا ولدها إليها» ، ورأى قرية نمل ـ أى مجتمع نمل ـ قد حرقها بعضهم فقال: «من حرق هذه؟ قالوا: نحن، قال: إنه لا ينبغى أن يعذب بالنار إلا رب النار» .
وكما أنه صلى الله عليه وسلم أوصى بالرفق فى ذبح الحيوان والإحسان إليه فى ذلك، وقال لمن أضجع شاة وهو يحد شفرته: «أتريد أن تميتها موتتين؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها» .
كما أنه صلى الله عليه وسلم حذّر من اتخاذ الحيوان وكل ذى روح غرضًا «لا تتخذوا شيئًا فيه الروح غرضًا» ؛ أى: هدفًا للرمى.
مواقف وعبر
ا.د. محمد محمد داود
لتحميل نسخة pdf من كتاب مواقف وعبر من خلال هذا الرابط:
http://www.mohameddawood.com/view.aspx…

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ: الروائع الأميرية 2016 © تصميم : كن مدون