مساحة إعلانية

كل عام أنتم بخير

الاثنين، 16 مارس 2020

في اليوم العالمي للغة العربية: الميزان الصرفي وعبقرية الفكر اللغوي لدى النحاة العرب القدماء د. مفرح السيد سعفان

في اليوم العالمي للغة العربية: الميزان الصرفي وعبقرية الفكر اللغوي لدى النحاة العرب القدماءد. مفرح السيد سعفان



في عصرنا الحديث يدعو بعض اللغويين الفضلاء إلى استعمال الوزن المقطعي - الذي يعتمد على
وصف المقاطع الصوتية في الكلمة كما وكيفا -بديلا عن الوزن الصرفي في دراسة بنية الكلمة
العربية.
ورغم أهمية دراسة الوزن المقطعي لتفسير بعض الظواهر الصوتية الخاصة ببنية الكلمة العربية فإنه لايمكننا أبدا أن نستغني عن الوزن الصرفي لدراسة البنية العربية وذلك للأسباب الآتية :

أولًا : الوزن الصرفي يفرق بين بنية الاسم وبنية الفعل:
فكلمة (يسير) - الاسم -هي على وزن (فعيل)؛ لأنها مشتقة من (اليسر) ،كما في قوله سبحانه :
( وذلك على الله يسير)، و كلمة ( يسير) - مضارع سار - على وزن ( يفعل)، لأن الياء فيها حرف مضارعة.
ولكن الوزن المقطعي لايمكنه أن يفرق بينهما.

ثانيًا : يفرق الوزن الصرفي بين المفرد والجمع:
فكلمة (آنية) في قوله سبحانه: (تسقى من عين آنية) هي مفرد مؤنث على وزن (فاعلة) ، وهي اسم الفاعل من الفعل (أنى - يأنى) .
على حين أن كلمة ( آنية) في قوله سبحانه: (ويطاف عليهم بآنية من فضة) هي جمع تكسير على وزن (أفعلة) للمفرد (إناء) .
مثل: إله وآلهة، و سلاح وأسلحة ، و لسان وألسنة.
ولكن الميزان المقطعي لا يمكنه التفريق بين هذين المعنيين المختلفين لكلمة ( آنية).

ثالثًا : يحافظ الوزن الصرفي على ضبط الأحرف الداخلية للكلمة:مما يساعد على تحديد نوع الكلمة. فهو يفرق مثلا بين ضبط الفعل الماضي المبني للمعلوم وضبط الماضي المبني للمجهول .
كما يفرق بين ضبط المضارع المبني للمعلوم و ضبط المضارع المبني للمجهول .
ولكن الميزان المقطعي لا يفرق بين هذا وذاك.

رابعًا : يساعدنا الوزن الصرفي على تحديد المعاملة الصرفية الصحيحة للكلمة:فيفيدنا مثلا في تحديد صيغة الجمع الصحيحة للاسم المفرد.
فكلمتا ( قبيلة ومكيدة) لا يفرق بينهما الوزن المقطعي، لأنهما متشابهان تماما فيه.
ولكن الوزن الصرفي يفرق بينهما ، فالأولى (قبيلة) على وزن(فعيلة) فكان جمعها على صيغة(فعائل)،أي (قبائل) ، فقلبت الياء فيها إلى همزة لأنها زائدة، مثل (شريعة وشرائع، وفريضة وفرائض، وحديقة وحدائق ).....
والثانية (مكيدة) على وزن (مفعلة) - لأنها مشتقة من (كيد) - فكان جمعها على صيغة (مفاعل) أي (مكايد)، مثل معيشة ومعايش.....
فلم تقلب الياء هنا إلى همزة لأنها أصلية وليست زائدة .
ويفيدنا الوزن الصرفي أيضا في تعيين شكل الفعل المضارع للفعل الماضي .
فالفعلان الماضيان (قاتل وآمن) لا يفرق بينهما الوزن المقطعي، ولكن الوزن الصرفي يفرق بينهما
فالأول (قاتل) على وزن ( فاعل) فكان مضارعه على وزن (يفاعل) أي ( يقاتل). مثل: حارب - يحارب، شارك - يشارك، و حاور - يحاور...
والثاني ( آمن) على وزن (أفعل) - لأن أصله
( أأمن) - فكان مضارعه (يؤمن) مثل: أكرم - يكرم و أسلم يسلم ، وأحسن يحسن، وأنعم ينعم...
كما يساعدنا الوزن الصرفي أيضا على تحديد المؤنث للوصف المذكر.
فكلمتا ( آخر - بكسر الخاء- وآخر - بفتح الخاء) لا يمكن للوزن المقطعي أن يفرق بينهما، لأنهما
متشابهان تماما فيه.
ولكن الوزن الصرفي يفرق بينهما فالأول (آخر)
- بكسر الخاء - على وزن (فاعل) ، فكان مؤنثه (آخرة) على وزن ( فاعلة)مثل: كاتب وكاتبة ، و طالب وطالبة، وعامل وعاملة......
والثاني (آخر) - بفتح الخاء - على وزن (أفعل)
لأن أصله (أأخر ) - فكان مؤنثه ( أخرى) ، أي كان مثل: أكبر وكبرى، وأعظم وعظمى وأصغر وصغرى.....

خامسًا : يساعدنا الميزان الصرفي أحيانًا على تحديد المعاملة النحوية للتركيب:فكلمة (يدعون) مثلا في قولنا :(المؤمنون يدعون إلى الخير)
و في قولنا :(المؤمنات يدعون إلى الخير) لا يفرق الوزن المقطعي بينهما إطلاقا . ولكن الوزن الصرفي يفرق بينهما تماما.
ف(يدعون) في الجملة الأولى على وزن (يفعون). لأن الواو فيها هي واو الجماعة. فالفعل هنا مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون، و واو الجماعة هنا هي الفاعل. وحذفت الواو الأصلية من الفعل يدعو، للتخلص من التقاء الساكنين.
ولكن (يدعون) في الجملة الثانية على وزن (يفعلن) ؛ لأنه مسند إلى نون النسوة. فالفعل هنا
مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة.
ونون النسوة ضمير متصل في محل رفع فاعل.
فالفعل ( يدعون) هنا مثل الفعل ( يعفون) في قوله سبحانه :
"إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح".
وهكذا يسهم الميزان الصرفي في فهم طبيعة البنية العربية، ودراسة جميع ما يطرأ عليها من تغيرات وتقلبات وتحولات، ويساعدنا على تحديد المعاملات الصرفية والنحوية المختلفة للكلمة، الأمر الذي لا يمكن أن يحققه مايعرف بالوزن المقطعي الذي يسعى بعض الأساتذة الأفاضل إلى استعماله بديلا عن الميزان الصرفي.
ويبقى الميزان الصرفي دليلا قاطعا وبرهانا ساطعا يشهد - على مر الزمان - بعبقرية الفكر اللغوي لدى الرعيل الأول من مؤسسي صرح العربية الشامخ.
هذا وبالله التوفيق.

د. مفرح سعفان،،،،،،،

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ: الروائع الأميرية 2016 © تصميم : كن مدون