مساحة إعلانية

كل عام أنتم بخير

الاثنين، 16 مارس 2020

مواقف وعبر ا.د. محمد محمد داود ***** أذهـب اللـه هـمّـى *



مواقف وعبر
ا.د. محمد محمد داود
***** أذهـب اللـه هـمّـى *****
# دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال صلى الله عليه وسلم: «يا أبا أمامة، ما لى أراك جالسًا فى المسجد فى غير وقت الصلاة؟»، قال: هموم لَزَمَتْنِى، وديون يا رسول الله.
قال صلى الله عليه وسلم: «ألا أعلمك كلامًا إذا أنت قلته أذهب الله تعالى همك، وقضى عنك دينك؟». قال: قلت بلى يا رسول الله.
قال: «قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحَزَن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقَهْر الرجال». قال: ففعلت ذلك، فأذهب الله تعالى هَمِّى، وقضى عنى دينى.
*****
دخل النبى صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فأدرك النبى صلى الله عليه وسلم بنور بصيرته أن الرجل مهموم، فلم يسأله عما أهمه وأحزنه، ولكن سأله عن سِرِّ جلوسه فى المسجد فى غير وقت الصلاة؛ ليفصح له عن مكنون صدره وسبب جلوسه بالقول الصريح، فيقضى له حاجته، أو يعلمه دعاء يقوله فى صباحه وفى مسائه، وهو فى المسجد أو فى أى مكان طاهر، يفرج الله به همه، ويذهب حزنه، ويطرد عنه شبح اليأس والملل والضيق والأسى.
فهو صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه مكثه فى المسجد فى غير وقت الصلاة؛ لأن هذا ليس بمستغرب، فالمسلم قلبه معلقٌ بالمساجد، يلجأ إليها فى أى وقت؛ ابتغاء رحمة من ربه يرجوها.
وقد تلطف النبى صلى الله عليه وسلم به فى السؤال، وهو أرحم بالمؤمنين من أنفسهم على أنفسهم، فقال: «أفلا أعلمك كلامًا إذا أنت قلته أذهب الله تعالى همك، وقضى عنك دينك؟».
فهذا أسلوب فيه جذب للانتباه، وتشويق لما سيخبره به ويطلعه عليه، وفيه بشرى طيبة يحملها إليه من لدن رَبِّهِ تعالى فكان أبو أمامة أسرع ما يكون إليه بالجواب: بلى يا رسول الله.
قال صلى الله عليه وسلم: «قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحَزَن»؛ أى اعتصم بك، وألوذ بجلالك، وأحتمى بحماك من شر الهم والحَزَن، وأسألك بقدرتك أن تدفعهما عن قلبى دفعًا، وأن ترفع عنى كل سبب يؤدى إليهما، وأن تشرح صدرى بنور الإيمان حتى لا يحزننى الشيطان بما يورده علىَّ من الوساوس والهواجس والشبهات، وبما يلقيه فى قلبى على حين غفلة منى.
وهناك فرْقٌ بين الهم والحزن والغم، فالهم: هو الشدة البالغة بسبب توقع المكروه؛ يقال: أهمه الأمر، أى: أتعبه التفكير فيه والخوف من وقوعه على غير ما يرجو ويؤمل.
والحَزَن: هو الشدة البالغة بسبب تذكر ما فات؛ يقال: فلان حزين يعنى على موت عزيز لديه أو فقد شىء من ماله، فهو يقع بسبب التفكير فيما مضى.
والغم: هو الكرب الشديد الذى يقع للإنسان لأسباب كثيرة، فيجمع بسببه الهم والحزن معه، فيغم عليه الأمر ويلتبس عليه حتى لا يعرف كيف يتخلص منه؛ من قولهم: غمّ الهلال؛ أى: استتر عن أعين الناس، وصعب عليهم رؤيته.
فالمغموم تتوارد عليه الخواطر، وتتداعى عليه المعانى؛ فيحزن، فيصاب بالغم، فيخشى مما قد يحدث له بسبب استمرار هذا الغم، فيصاب بنكبة عظيمة تعطل فكره وحواسه، فلا يكاد يعقل، ولا يكاد يسمع أو يبصر.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «وأعوذ بك من العجز والكسل» معناه: أعوذ بك من أن أتأخر عن تأدية واجباتى، وأتخلف عن تحقيق ذاتى وصالح عملى، وأن أفتقد القدرة المادية والمعنوية فى بلوغ آمالى من دنياى وآخرتى.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «وأعوذ بك من الجبن والبخل» معناه: أسألك أن تعصمنى من شرهما، واعتصم بك من أن أتصف بهما، فأخسر دنياى وآخرتى.
والجبن: هو التقاعس عن حماية الأعراض والحرمات، والتقاعد عن الجهاد فى سبيل الله، والتخلى عن تأدية الواجبات، والإقدام على الأعمال التى تخل بالمروءة، وتتنافى مع الشهامة والشجاعة.
والبخل: هو التمسك بالمال وحبسه عمن يحتاج إليه، والحرص الشديد على نموه بشتى الطرق.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال»؛ أى: أعوذ بك من ثقل الدين وعدم القدرة على سداده، وما يحمله المدين من همٍّ وغم، وما يجده من إحراج ومذلة، وأعوذ بك أن يقهرنى الرجال، فيغلبونى على نفسى ومالى، ويهزمونى فى ميادين الحق والشرف.
قال أبو أمامة: ففعلت ذلك؛ فأذهب الله تعالى همى، وقضى عنى دينى.
وهذا يرجع إلى ثلاثة أمور:
الأول: الدعاء بهذه الكلمات؛ لأنها صادرة عمن لا ينطق عن الهوى.
الثانى: إخلاص الداعى وتقواه، ويقينه بأن الله يستجيب له إذا دعاه.
الثالث: مراعاة آداب الدعاء.
هذه الوصية النبوية الغالية هدية من رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك، فالزمها واعمل بها؛ فإنها دواء لكل داء يعجز عن علاجه الأطباء.
نسأل الله الهداية والتوفيق.. والحمد لله رب العالمين
لتحميل نسخة pdf من كتاب مواقف وعبر من خلال هذا الرابط
http://www.mohameddawood.com/view.aspx…

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ: الروائع الأميرية 2016 © تصميم : كن مدون