مساحة إعلانية

كل عام أنتم بخير

الأحد، 15 مارس 2020

من فرائد العربية : ظاهرة التثنية

من فرائد العربية :
ظاهرة التثنية
تنفرد اللغة العربية عن أخواتها من اللغات السامية،
وعن كثير من اللغات بوجود المثنى.
فأكثر اللغات تعرف المفرد والجمع ولا تعرف المثنى.
ووجود المثنى في العربية يعد شكلا من أشكال الارتقاء
الفكري والحضاري الذي تتميز به هذه اللغة الفريدة،
فهي دائما تميل إلى التفريق والتخصيص، فتجعل لكل معنى علامة تدل عليه.
وأرى أن اللغة العربية قد ابتكرت ظاهرة التثنية بعد
ظاهرة الجمع. وأن هذا الابتكار المتأخر للتثنية بعد
الجمع هو الذي أدى إلى وجود تعريفين للجمع في
اللغة العربية.
فهناك من يعرف الجمع في العربية بأنه ما فوق الواحد.
مستدلين بمثل قوله سبحانه :
" إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما "
ولم يقل: " فقد صغى قلباكما "
ولكن التعريف الشائع للجمع هو ما دل على أكثر من اثنين أو اثنتين.
وكلا التعريفين صواب عندي، وليس بينهما أي تعارض.
وكل ما بينهما من فرق يتمثل في أن التعريف الأول
يعبر عن الجمع في العربية قبل ابتكار المثنى فيها.
وأن التعريف الثاني يعبر عن الجمع بعد ابتكار المثنى فيها.
أي أن تأخر ابتكار المثنى بعد ظاهرة الجمع قد فصل بين مرحلتين أو بين شكلين لظاهرة الجمع في العربية.
الأول: يكون الجمع فيه ما فوق الواحد.
والثاني: يكون الجمع فيه ما فوق الاثنين.
والأدلة عندي على أن ابتكار التثنية كان بعد معرفة الجمع
في العربية كثيرة.
لعل من أهمها ما يأتي :
أولا: أننا نلحظ أن علامة التثنية تأتي بعد علامة الجمع في الضمائر :
إذ نقول في جمع ضمير المخاطب المنفصل : أنتم.
وفي التثنية: أنتما.
كما نقول في جمع ضمير الغائب: هم
وفي التثنية: هما.
وفي جمع ضمير المخاطب المتصل: كم
وفي التثنية: كما.
وهكذا تأتي الألف الدالة على التثنية بعد ميم الجمع.
ثانيا: أسماء الإشارة كلها مبنية عدا الأسماء الدالة على
المثنى نجدها معربة ( هذان وهاتان) .
والإعراب يمثل ظاهرة أرقى وأحدث من البناء.
ثالثا: الأسماء الموصولة كذلك نجدها كلها مبنية
عدا الأسماء الدالة على المثنى( اللذان واللتان) فهما معربتان. كما نلحظ زيادة لام املائيا عن الجمع.
مما يؤكد تأخرهما عن الجمع.
فالبناء كان هو الأصل القديم في الأسماء الموصولة ، وإعراب المثنى طارئ وحديث .
ولله در هذا الشاعر المقدام الذي حاول
إعراب الاسم الموصول ( الذين) إعراب جمع المذكر السالم في قوله :
نحن اللذون صبحوا الصباحا
يوم النخيل غارة ملحاحا
فمذهبه صحيح في القياس، ولكنه شاذ في الاستعمال.
لأن الناس أعداء لتغيير ما ألفوه، لأنهم قد ألفوا استعماله مبنيا منذ القدم.
رابعا: أننا نجد في العربية أسماء تثنى ولا تجمع، لأنها كلمات تدل على الواحد والجمع معا في أصل وضعها.
فمن ذلك مثلا : كلمة ( بشر)،
فمن استعمالها للمفرد قوله سبحانه:
(قل إنما أنا بشر مثلكم)
ومن استعمالها للجمع قوله سبحانه:
( ثم إذا أنتم بشر تنتشرون)
فلا تقبل علامة للجمع ولكنها تقبل علامة التثنية
كما في قوله سبحانه :" قالوا أنؤمن لبشرين مثلنا
وقومهما لنا عابدون".
وكذلك كلمة ( فلك) فهي تستعمل للواحد
كما في قوله تعالى :" ويصنع الفلك ".
وتستعمل للجمع كما في قوله: " وترى الفلك فيه مواخر " ، وتثنيتها ( فلكان) .
مما يؤكد لنا أن ابتكار التثنية في العربية كان بعد معرفة الجمع .
وبالله التوفيق.
د. مفرح سعفان

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ: الروائع الأميرية 2016 © تصميم : كن مدون